شرح قصيدة سربروس في بابل


تحليل قصيدة سربروس في بابل
بعد ما ورد من حديث عن الشعر العربي الحديث سيتم تقديم شرح احدى قصائد الشعر العربي الحديث وهي قصيدة سربروس في بابل للشاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب ويقول بدر شاكر السياب في قصيدته سربروس في بابل:


ليعْوِ سربروس في الدروبْ

في بابل الحزينة المهدّمهْ

ويملا الفضاء زمزمهْ

يمزق الصغار بالنيوب يقضم العظامْ

ويشرب القلوب

عيناه نيزكان في الظلامْ

وشدقه الرهيب موجتان من مدى

تخبِّئ الرّدى

اشداقه الرهيبة الثلاثة احتراقْ

يؤجّ في العراق

ليعوِ سربروس في الدروب

وينبش التراب عن الهِنا الدفينْ

تمّوزنا الطعينْ

ياكله: يمص عينيه الى القرارْ

يقصِم صلبه القوي يحطِّم الجِرار

بين يديه ينثر الورود والشقيقْ

اواهٍ لو يفيق

الهنا الفتي لو يبرعم الحقولْ

لو ينثر البيادر النّضار في السهولْ

لو ينتضِي الحسام لو يفجِّر الرعود و البروق و المطرْ

ويطلق السّيول من يديه آه لو يؤوب!

ونحن اذا نبصّ من مغاور السِّنين




يرى الشاعر السياب واقع العراق في مطلع قصيدة سربروس في بابل يرى كلّ الدمار والخراب الذي يحيط به فيرمز للشر بسربروس وهو الكلب الذي قتل تموز الاله الذي يمثل اسطورة الحياة والموت اليونانية وهو رمز للخير والحياة المتجددة فيرمز السياب للشر بسربروس الذي قتل الاله تموز ويصف سربروس بانه تمادى في الخراب حتى انه وصل الى ما هو تحت التراب فاخرجه وجدد موته هو تموز اله الحياة الذي يتمنى السياب عودته من جيد لانه رمز الحياة الجديدة ورمز للربيع بعد الخريف والماء بعد الجفاف






نرى العراق يسال الصغار في قراه:

ما القمح؟ ما الثمر؟

ما الماء؟ ما المهود؟ ما الاله؟ ما البشرْ؟

فكل ما نراه

دمٌ ينزّ او حبالٌ فيه او حفرْ

اكانت الحياة

احبّ ان تعاش و الصغار آمنين؟

اكانت الحقول تزهرْ؟

اكانت السماء تمطرْ؟

اكانت النساء و الرجال مؤمنينْ

بان في السماءِ قوة تدبِّر

تحسّ تسمع الشّكاة تبصر

ترقّ ترحم الضِّعاف تغفر الذنوبْ؟

اكانت القلوبْ

ارقّ و النفوس بالصفاء تقطر؟

و اقبلت الهة الحصادْ

رفيقة الزهور و المياه و الطّيوبْ

عشتار ربّة الشمال و الجنوبْ

تسير في السّهول و الوِهادْ

تسير في الدّروب

تلقط منها لحم تموز اذا انتثرْ

تلمّه في سلة كانه الثمرْ






كثيرة هي الاسئلة والاستفسارات في خيال الشاعر السياب يسال عن القمح والثمر والماء والاله تموز يسال عن مدى ايمان الناس وثقتهم بوجود قوة خارقة تدبر الامر وتنبت العشب والشجر وتعيد الحياة قبل ان ينتقل الى الحديث عن اسطورة عشتار وهي الهة الخصب عند اليونانيين عشتار رفيقة الماء والعطر وورد عشتار التي تمشي في هذه الحقول لتجمع اجزاء جسد الاله تموز وتوزع جسده ثمرا على النّاس لكي يتبركوا بقداسته



لكن سربروس بابل الجحيم

يخبّ في الدروب خلفها ويركض

يمزق النعال في اقدامِها يعضعِض

سيقانها اللِّدان ينهش اليدين او يمزق الرداءْ

يلوِّث الوشاح بالدم القديم

يمزج الدم الجديد بالعواءْ

ليعوِ سربروس في الدروبْ

لينهشِ الالهة الحزينة الالهة المروّعة؛

فان من دمائِها ستخصِب الحبوبْ

سينبت الاله فالشرائح الموزّعة

تجمّعتْ تململتْ سيولد الضياءْ

من رحمٍ ينزّ بالدماءْ





ثم يعود الشاعر ليصف ما يفعله سربروس بعشتار الآلهة التي جاءت لتلمّ اجزاء تموز المقدسة كالثمر فيصف كيف جاء سربروس بالجحيم وهاجم الالهة عشتار ونزف دمها واساله وما زال يعوي في الدروب وينشر الشر والفزع وينهش الالهة عشتار ويسيل دمها الذي سيسقي حبوب الارض وينبت آلهة جديدة لان الآلهة والضوء والنور تجيء من الدم كما قال




قصائد بدر شاكر السياب
بعد الحديث عن شرح وتحليل قصيدة سربروس في بابل للشاعر العراقي بدر شاكر السياب لا بدّ من المرور على بعض قصائد الشاعر الاخرى للتمعن اكثر في تجربته الحديثة مع شعر التفعيلة فهو احد مؤسسي التفعيلة مع نازك الملائكة التي كان لها دور كبير في تاسيس التفعيلة وانتشارها







يقول بدر شاكر السياب في قصيدته المسيح بعد الصلب:
بعدما انزلوني سمعت الرياحْ

في نواحٍ طويلٍ تسفّ النحيلْ

والخطى وهي تناى اذن فالجراح

والصليب الذي سمروني عليه طوال الاصيلْ

لم تمتنِي وانصت:كان العويلْ

يعبر السهل بيني و بين المدينةْ

مثل حبلِ يشدّ السفينةْ

وهي تهوي الى القاع كان النواحْ

مثل خيطٍ من النورِ بين الصّباحْ

والدّجى في سماءِ الشتاءِ الحزينةْ

ثم تغفو -على ما تحسّ- المدينةْ






ويقول ايضا في قصيدته العمودية التي تبين قدرته على صياغة الشعر العمودي:
هبت تغمغم: سوف نفترق               روح على شفتيكِ تخترق

صوت كانّ ضرام صاعقةٍ                   ينداح فيهِ وقلبي الافق

ضاق الفضاء وغام في بصرِي            ضوء النّجومِ وحطِّم الالق

فعلى جفونِي الشاحبات وفي          دمعي شظايا منه او مزق

فيم الفراق؟ اليس يجمعنا               حبٌّ نظلّ عليه نعتنِق؟

حبٌّ ترقرق في الوعودِ سنا              منه ورفّ على الخطى عبق



اختاه صمتكِ ملؤه الرِّيب؟                 فيم الفراق؟ اما له سبب؟

الحزن في عينيكِ مرتجفٌ                 والياس في شفتيكِ يضطرب

ويداك باردتان: مثل غدي                  وعلى جبينكِ خاطرٌ شجِب

ما زال سرّكِ لا تجنِّحه                       آهٌ ماججةٌ: ولا يثب

حتّى ضجرت بهِ واسامه                   طول الثواء وآده التّعب

انِّي اخاف عليكِ واختلجتْ                 شفةٌ الى القبلاتِ تلتهب



ثم انثنيتِ مهيضة الجلدِ                     تتنهّدين وتعصرين يدي

وتردِّدين وانتِ ذاهلةٌ                         انِّي اخاف عليك حزن غدِ

فتكاد تنتثر النجوم اسى                    في جوهن كذوائب البردِ

لا تتركي لا تتركي لغدِي                   تعكير يومي ما يكون غدي

واذا ابتسمت اليوم من فرحٍ                فلتعبسنّ ملامح الابدِ

ما كان عمري قبل موعدنا                  الا السنين تدبّ في جسدِ



اختاه لذ على الهوى المي                 فاستمتعي بهواكِ وابتسمي

هاتي اللهيب فلست ارهبه                ما كان حبّكِ اوّل الحِممِ

ما زلت محترقا تلقّفنِي                      نار من الاوهام كالظلمِ

سوداء لا نورٌ يضيء بها                     جذلان يرقص عاري الفدمِ

هاتِي لهيبكِ انّ فيه سنا                  يهدي خطاي ولو الى العدمِ
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق