مشكلة تمسك الطفل بالام وبعض النصائح المفيدة






تمسك الطفل بالام



جل الأمهات يشتكين من تعلق أطفالهن الشديد بهن، لدرجة يصبح فيها من الصعب عليهن مغادرة البيت دون رؤيتهم يبكون بشكل هستيري أحيانا، وهو ما يزيد من معاناة هؤلاء الأمهات. لكن ما تجهله هؤلاء النسوة هو أنهن السبب الأول في هذا التعلق المرضي. لأن الأم خلال عملية التربية وما تفرضه عليها من رضاعة ونظافة ومداعبة ولعب تمرر إلى طفلها نموذجا نفسيا وبنية شخصية خاصة بها، وإذا كان نموذج شخصية الأم يتميز بالقلق أو الاكتئاب أو الانشراح فإن الأم تمرر ذلك للطفل في ردود أفعالها السلوكية بشكل شعوري أو لا شعوري، كما يؤكد الدكتور أحمد الحمداوي أخصائي علم النفس المرضي.






وما تجب الإشارة إليه في هذا الصدد هو أن بعض الأمهات هن المسؤولات عن تنشئة أطفال يتحول ارتباطهم بأمهاتهم إلى تعلق مرضي. وعندما تكون العلاقة مبنية على الاحتواء التام للطفل دون أن نترك له مجالا لتكوين شخصيته من خلال منحه هامشا من الحرية النفسية والتربوية، فإننا نخلق علاقة ترابطية قد تكون مرضية، أي أن هيمنة الأم على طفلها واحتواءها له بالكامل يكون سببه مرضيا، مما ينتج عنه اضطراب في علاقة الأم بطفلها، وكنتيجة لذلك نصبح أمام طفل يعاني استقلالية مرضية خلال السنوات الثلاث الأولى من عمره، خاصة إذا كانت الأم لا تستجيب لرغبات طفلها في الوقت المحدد، ولا تبدي اهتماما لطلباته، وفي كلتا الحالتين نكون أمام نموذج لأم سيئة، حسب المحلل النفساني وينيكوت.


ولكي تخفف الأم من تعلق طفلها بها يجب عليها أن توفر له الحنان والسند العاطفي والنفسي حتى تخلق له جوا من الاستقرار والثقة بالنفس، وهذا يتحقق انطلاقا من المداعبة والحضور الفعلي عندما يريد تلبية رغباته، مع منحه هامشا من الحرية حتى تمكنه من خلق عالم خاص به، وإعطاءه حرية التصرف والفعل والاستكشاف بشكل مستقل، علما أن صورة الأم والأب تشكل زخما نفسيا يعطي للطفل توازنه الشخصي.






وعلاج مثل هذه الحالات يختلف من حالة إلى أخرى، ففي البداية يجب تشخيص الحالة تشخيصا علميا دقيقا لفهم نموذج العلاقة الارتباطية بين الأم وطفلها، وهو ما يستدعي علاجا نفسيا يرتبط بالأساس بنظرية العلاج النسقي أو العائلي، بمعنى أنه لا بد من أخذ الطرفين في العملية العلاجية من أجل إعادة تنظيم التواصل ونسق التفاعل الذي تأسس من قبل، دون إهمال تهدئة مخاوف وقلق الأم من خروج الأمور عن سيطرتها. ولأن الأم تحتاج إلى هذا الاحتواء النفسي الذي تأسس لديها في صغرها يجب على الأخصائي النفسي المعالج أن ينطلق من هذه العلاقة بغية إعطاء تصور آخر للعلاقة المستقلة للطفل ولأمه. ويبقى علاج هذه الحالات ضروريا جدا حتى لا يعيد هؤلاء الأطفال مستقبلا نفس أخطاء والديهم، أي تجنب الارتباط المرضي للأطفال بآبائهم.








بعض الأسباب المحتملة التي قد تؤدي إلى هذا السلوك من الطفل؛ فيقول الخبراء: رغبة الطفل الصغير في الاستحواذ على الاهتمام الكامل من أحد أبويه والتصاقه الشديد به قد يكون نتيجة خوفه من تركه والتخلي عنه أو قد يكون نتيجة شعوره بالقلق، وقد تنتج هذه المشاعر لديه بسبب مشاهدته لخلافات بين أبويه أو قد يكون نتيجة محاولة الطفل الاعتماد على نفسه بشكل أكبر، ولكن في نفس الوقت يكون بداخله صراع بين رغبته في الاستقلال ورغبته في الاعتماد على أحد أبويه، أو قد يكون الطفل من النوع الذي يحاول أن يفعل كل ما بوسعه لكي يحصل على ما يريد من أمه أو أبيه، أو قد يكون هذا السلوك ناتجاً عن مرور الطفل بظاهرة طبيعية وهي (الاختبار) وهي جزء من التطور الذي يحدث للطفل في هذه المرحلة والذي قد يظهر في صورة ازدياد تلاعب الطفل بأحد والديه.


يشرح الخبراء: بشكل عام من المهم أن يضع الأبوان في الاعتبار سن الطفل وقدرته الإدراكية لكي تكون توقعاتهما بخصوص سلوكه واقعية ومنطقية بالنسبة للمرحلة التي يمر بها وبالنسبة لشخصيته وتكوينه. كيف إذن يمكن أن يريح الأبوان طفلهما خلال هذه المرحلة من حياته؟ النصائح الست الآتية ستساعدكما في هذا:






1- أهم شيء هو أن يتحدث الأبوان مع طفلهما لكي يتعرفا على المشكلة وراء التصاقه الشديد بأحدهما أو كليهما مع الاعتراف بقلقه وتوتره لكي يستطيعا أن يصلا إلى حل حقيقي للمشكلة. على سبيل المثال، إذا تعرض الطفل للمضايقة أو الاعتداء في المدرسة وافتقد شعوره بالأمان، يجب أن يبذل الأبوان كل ما في وسعهما لإيقاف هذه المشكلة، ويجب أن يُطَمئنا الطفل بشكل قاطع بقول: (نحن سنحل المشكلة، ولن يضايقك أحد مرة أخرى).






2- إذا التصق الطفل بأحد الوالدين لأنه هو دائماً الطرف الموجود معه، في هذه الحالة يجب على الأبوين معاً أن يعيدا توجيه سلوكه بأن يقولا له هما الاثنان معاً إن كليهما موجود من أجله في أي وقت. كلا الأبوان يجب أن يجلسا مع الطفل ويتحدثان معه ويحلان هذه المشكلة معاً؛ لأن الأطفال يحتاجون عادةً إلى أن يعرفوا أن كلا الأبوين (وليس طرفاً واحداً فقط) موجودان دائماً إذا احتاج إليهما. بمجرد أن يثق الطفل في ذلك سيشعر بالأمان الكافي لاكتشاف العالم من حوله، وهو ما يفعله عادةً الأطفال الصغار.






3- إذا حاول الطفل أن يتلاعب بأبويه باستخدام السلوك الذي يعبر عن استحواذه الكامل على اهتمام أحد أبويه (أي بمحاولة الإبعاد بينهما)، بالتصاقه الدائم بالطرف الذي ينفذ له ما يريد، يجب في هذه الحالة أن يتضامن الأبوان ويساند بعضهما بعضاً أمام الطفل وأن يتخذا معاً أي قرارات خاصة بتصرفات الطفل حتى يفهم الطفل أن القرار ليس في يد طرف واحد بل هو قرار أبويه معاً.
إذا كان طفلك من النوع الذي يحاول الالتصاق بك لأنك تنفذين له دائماً ما يريد، يمكنك أن تقولي له: (سأتحدث مع أبيك أولاً وسأرى ما سنقرره معاً).






4- أغلب الأطفال الصغار يميلون بشكل طبيعى للاستحواذ على كل اهتمام أمهاتهم لأنه في أغلب الحالات تكون الأم هي المسؤولة عن رعاية الطفل اليومية وتولي تفاصيل حياته. إذا كان هذا هو الحال فيجب ألا يُهمَل الأب أو يُترَك ليشعر بالغيرة بل يمكن للأم أن تحاول بالتدريج إشراك الأب لكي يشعر الطفل بارتياح في أن يذهب إليه ويطلب منه تلبية بعض احتياجاته.






5- في كل الأحوال فإن قضاء وقت مفيد وقيم مع الطفل بشكل منتظم مع قضائه كل يوم بعض الوقت مع كل من الأبوين بمفرده يؤتي بنتائج مذهلة؛ فلا يساعد ذلك فقط في زيادة الترابط والتقارب بين الطفل وأبويه (وبالتالى شعوره بالأمان)، لكن أيضاً يُظهر ذلك للطفل أن هناك أوقاتاً منتظمة ومحددة للتواصل مع أبويه؛ مما سيجعل الطفل يفهم مع الوقت أنه لا يستطيع الاستحواذ على أبويه تماماً طوال الوقت، مما سيساعده على التخلص من التصاقه المبالغ فيه ورغبته في الامتلاك.






6- يشرح الخبراء أنه لو كان الطفل الذي يتسم سلوكه بالرغبة في الاستحواذ والالتصاق بأحد أبويه يعيش مع أحد الأبوين فقط - سواء بسبب الانفصال أو وفاة الطرف الآخر - في هذه الحالة قد تكون الأسباب وراء سلوكه مختلفة.






يقول الخبراء: (الطرف الذي يعيش مع الطفل يقوم بالدورين معاً دور الأم ودور الأب. إذا كان الطفل في سن تسمح له بإدراك أنه قد كان هناك طرف آخر من قبل وفقده، فقد يكون بداخله خوف من أن يفقد الطرف الذي يعيش معه أيضاً).






مرة أخرى يجب أن يتحدث الطرف الذي يعيش مع الطفل عن المشكلة ويحاول أن يحلها لكي يشعر الطفل بالراحة والأمان. يمكن أيضاً أن يستعين هذا الطرف بأفراد الأسرة لكي يشعر الطفل أن هناك آخرين يهتمون به وعلى استعداد لرعايته، فسيساعد هذا الطفل على التخلص من مخاوفه.








أفكار مفيدة


يمكنك ممارسة بعض الأنشطة والألعاب التي تهدف إلى تقليص حالة تعلّق طفلك بك، منها:


1 اللعب الإيهامي: تتشاركين التمثيل مع طفلك، وتقومين بافتعال خروج الأم خلال هذه اللعبة لقضاء بعض الحاجات، وتجعلين طفلكِ يرد بالنيابة عن اللعبة، ويفصح عن مخاوفه، فيكون ردّك على لسان أم اللعبة بالتهدئة من هذه المخاوف!
2 قصّي عليه القصص الهادفة قبل النوم، واحكي له عن أطفال تركتهم أمهاتهم لبعض الوقت وتصرّفوا بطريقة لطيفة، فعادت الأم وأحضرت معها الحلوى واللعب.
3 إشغلي طفلك في نشاط محبّب له، ويمكنك تحضير بعض الألعاب الصغيرة أو الكتب وإعطاؤها له عند خروجك، أو دعيه يقوم بالتخطيط لما يريد أن يفعله أثناء غيابك، واثني على قدرته على شغل وقته بشيء ممتع.
4 إذا كنت تريدين التخطيط لخروجك من البيت، يفضّل ألا تخرجي متخفّيةً إطلاقاً، وإنما اقضي وقتاً مع طفلك وأثناء ذلك اعقدي معه اتفاقاً حول خروجك وأخبريه بأنك سوف تتّصلين به، وعلّميه كيف يمكنه الإتصال بك. ثم، حاولي أن تكون فترة غيابك في البداية قصيرة تطول تدريجياً، ولا تتوتّري أو تنفعلي لبكائه وإنّما كوني حازمةً وهادئةً وودودةً وقولي له: اطمئن، سأعود قريباً! واخرجي ولا تطيلي مشهد الوداع.








خطوات مفيدة


إحرصي على الإجتماع مع العائلة بصفة دائمة، وتجنّبي عزل طفلك عن الآخرين.
شاركيه لعبه مع من هم في سنّه، حتى يشعر بالأمان ويستمتع بوجودك.
إستقبلي الأطفال الصغار بمفردهم في منزلك للعب معه، وبذلك يلاحظ أنهم أتوا إليه بدون والداتهم.
إغرسي فيه صفة القيادة أثناء اللعب، حتى يعتمد على نفسه ويشعر بتقدير الذات.
أثناء لعبه وتواجده مع الأطفال أو في منزل العائلة، لا بدّ أن تذهبي إليه، وتبادليه بعض القبلات وتضمّيه، وتمدحي سلوكه بأنه كبر ويلعب بمفرده!
عزّزي في داخله الإعتماد على النفس، وأكثري من مدحك لشخصيته وصفاته.
أبعدي طفلك عن أية مشكلات وتوترات قد تنعكس على نفسيته، وتزيد من شعوره بعدم الأمان.
أشعري طفلك بالأمان بتواجدك معه، وأخبريه بأنك إن ذهبت لأي مكان ستعودين إليه، وذلك حتى يعتاد على الأمر
إن تأخرت في يوم من الأيام إعتذري له عن التأخير، وأوضحي له أسباب ذلك بصورة مبسّطة.
تقرّبي منه أكثر، فتدريبه على الإنفصال لا يعني الإبتعاد عنه!
لا تلبي له كل طلباته حتى
لا تتسبّبي في دلاله، وتزيدي من تعلّقه بك.
أعطي ابنك مساحة كافية للعب، ومشاركة غيره في الألعاب الجماعية.
شاركي الأطفال باللعب، فحتى إن رفض أن يلعب في البداية، إلا أنه سيكتسب منكِ ويقلّدك بعد ذلك.
للرسم والألوان فائدة كبيرة في تفادي المشكلات النفسية والسلوكية للأطفال، فشجّعيه على التلوين والرسم الحر.
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق