أردت افسادها فأنقذتنى

السلام عليكم و رحمة الله و
بركاته


أردت إفسادها فأنقذتني 
داعية ولكن من نوع وتوجه آخر … خط
لنفسه طريق وهدف ولكن كان يؤدي إلى الهلاك والفساد . فمضى في تنفيذ مخططه حتى سقط
ضحية فتاة عرفت كيف تتعامل مع أمثاله
ماأجمل الماضي وماأقساه ، صفتان
أجتمعت في ذكرى رجل واحد ، صفتان متضادتان … أحاول أن أتذكر الماضي من أجل أن أرى
طفولتي البريئة فيها … وأحاول أن أهرب من تذكره كي لاأرى الشقاء الذي عشته فيه
عنفوان شبابي …فحينما وصلت سن الخامسة عشرة كنت في أشد الصراع مع طريقين هما طريق
الخير وطريق الشر … لكن من سوء حظي أنني أخترت طريق الشر ، فقلدتني الشياطين أغلى
وسام لديها، وصرت تبعاً لها …بل لم تمضي أيام حتى تمردت عليها فأصبحت هي التابعة
لي ، فأخذت مسلك الشر وأستسقيت من منهاله المرالذي أشد من مرارة العلقم وأيم الله …
فلم أتخلى يوماً عن المشاركة في تفتيت روابط القيم والشيم الرفيعة ، حتى أصبح إسمي
علماً من أعلام الغواية والضلال
وذات مرة أسترعى إنتباهي فتاة
كانت في الحي الذي أسكن فيه ، وكانت كثيراً ماتنظر إلىّ نظرة لم أعي معناها … لكنها
لم تكن نظرات عشق ، ولاغرام ، رغم أنني لاأعرف العشق ولا الغرام حيث لم يكن لي قلب
وقتها … وتغلغلت في أفكاري تلك النظرات التي أستوقفتني كثيراً ، حتى هممت أن أضع
شراكي على تلك الفتاة … وبعد فترة أخذت منظومة شعرية يقولون أنها منظومة عشق ،
فأرسلتها لها عبر باب منزلها ، ولكن لم أجد منها رد بذلك ولاتجاوب … وأخذتني بعدها
العزة بالأثم لأغوين تلك الفتاة شاءت أم أبت ،فكتبت فيها قصيدةً شعرية من غير ذكر
إسم لها … حتى وصلها الخبر بذلك ، لكنها لم تتصرف ولم يأتي منها شئ ، وذات ليلة
كنت عائداً إلى منزلي الساعة الرابعة فجراً ، فأنا ممن هو مستخفي بالنهار وساربُ ُ
بالليل … وإذا بي أجد عند الباب كتاب عن الأذكار النبوية ، فأحمر وجهي لذلك
وأستحضرت جميع إرادات الشر التي بداخلي ، حيث عرفت أن التي أرسلته لي هي تلك
الفتاة … وبهذا فهي قد أعلنت حرباً معي ، ففكرت وقتها على أن أكتب قصيدة عن واقعة
حب بيني وبينها وأنشرها بالحي ، وبعدها أكون قد خدشت بشرفها … وجلست أستوحي
ماتمليه الشياطين على ّ من ذلك الوحي الشعري ، ففرغت من قصيدتي تلك وأرسلت بها إلى
دارها مهدداً إياها بأن ذلك سوف ينشر لدى كافة معارفك … وجاءني المرسول الذي بعثت
معه القصيدة بتمرات ، وقال لي إن الفتاة صائمة اليوم وهي على وشك الإفطار وقد
أرسلت معي هذه التمرات لك هديةً منها لك على قصيدتك بها ، وتقول لك إنها ستدعو
الله لك بالهداية ساعة الإفطار … فأخذت تلك التمرات وألقيتها أرضاً ، وأحمرت عيناي
بالشر ، وتوعدتها بالإنتقام عاجلاً أم آجل ، ولن أدعها على طريق الخير أبداً
ماحييت … وأخذت أتصيد فترات روحاتها وجياتها للمسجد بألقاء عبارات السخرية
والإستهزاء بها فكان من معها من البنات يضحكن عليها أشد الضحك ، ومع ذلك لم تحرك
تلك الإستهزاءات ساكناً فيها … ومرة الأيام ورأيت أنني فشلت في محاولاتي تلك بأن
أضل تلك الفتاة وأستمرت هي بإرسال كتيبات دينية لي ، وكل يوم إثنين وخميس وهي
الأيام التي كانت تصوم فيهما كانت ترسل التمر لي ، وكأن لسان حالها يقول أنها قد
أنتصرت علىّ ، هذا ماكنت أظنه من تصرفاتها تلك …
وماهي إلا أِشهر إلا وسافرت خارج
البلاد باحثاً عن السعادة واللذات الدنيوية التي لم أرآها في بلدي ، ومكثت قرابة
أربعة أشهر ، وكنت وأنا خارج بلدي منشغل الفكر بتلك الفتاة ، وكيف نجت من جميع
الخطط التي وضعتها لها … وفكرت فور وصولي لبلدي أن أبدأ معها المشوار مرة أخرى
بأسلوب أكثر خبثاً ودهاءاً وقررت أنني سوف أردها عن تدينها وأجعلها تسير على درب
الشر … وجاء موعد الرحلة والرجوع لبلدي وكان يومها يوم خميس ، وهو من الأيام التي
كانت تصومه تلك الفتاة ، وحينما قدم لنا القهوة والتمر بالطائرة أخذت بشرب القهوة
أم التمر فألقيت به [ حيث كان رمزاً للصائمين ويذكرني بها ] … وهبطت الطائرة بمطار
المدينة التي أسكن بها وكان الوقت الواحدة ظهراً ، وركبت سيارة الأجرة متوجهاً
لمنزلي ، وهناك زارني أصدقائي فور وصولي ، وكلاً منهم قد حصل على هديته مني وكانت
تلك الهداية كلها خبيثة ، وكانت أكبرها قيمة وأعظمها شراً هدية خصصتها لتلك الفتاة
، كي أرسلها لها ، ولأرى ماتفعله بعد ذلك … وخرجت ذاهباً لأتصيد الفتاة عند مقربةً
من المسجد قبل صلاة المغرب ، حيث كانت حريصةً على أداء الصلاة في المسجد لأن
بالمسجد كان جمعية نسائية لتحفيظ القرآن … وماأن أذن المغرب وفرغ من الأذان وجاء
وقت الإقامة ، ولم أرى الفتاة ، أستغربت ، وقلت في نفسي قد تكون الفتاة تغيرت
أثناء سفري وهجرت المسجد وتخلت عن تدينها ذلك … فعدت لمنزلي ، وأنا كلي أمل بأن
تكون توقعاتي تلك محلها، وأثناء ماكنت أقلب في كتبي وجدت مصحفاً مكتوب عليه إهداء
إليك لعل الله أن يهديك إلى صراطه المستقيم ، التوقيع / اسم الفتاة … فأبعدته عني
وسألت الخادمة من أحضر هذا المصحف إلى هنا فلم تجبني ، وخرجت في يومي الثاني
منتظراً الفتاة عند باب المسجد ومعي المصحف كي أسلمها إياه وأقول لها أنا لست
بحاجةٍ إليه ، كماأنني سوف أبعدك عنه قريباً ، وأنتظرت الفتاة عند المسجد ولكن لم
تأتي . وكررت ذلك عدة أيام لكن دون فائدة فلم اراها ، فذهبت إلى مقربة من منزلها
وسألت أحد الصبيان الصغار الذين كانوا يلعبون مع أخوة لتلك الفتاة ، فسألتهم: هل
فلانة موجودة ؟ فقالوا لي : ولماذا هذا السؤال ! ربما أنت لست من هذا الحي . قلت
بلى ولكن لدي رسالة من صديقة لها كنت أود أن تذهبوا بها لها ، فقالوا لي إن من
تسأل عنها قد توفاها الله وهي ساجدة تصلي بالمسجد قبل أكثر من شهرين …
عندها ما أدري ما الذي أصابني فقد
أخذت الدنيا تدور بي وأوشكت أن أقع من طولي ، ورق قلبي وأخذ الدمع من عيني يسيل ،
فعيناي التي لم تعرف الدمع دهراً سالت منها تلك الدموع بغزارة ، ولكن لماذا كل هذا
الحزن ؟ أهو من أجل موتها وحسن خاتمتها أم من أجل شئ آخر ؟ لم أقدر أن أركز وأعلم
سبباً وتفسيراً لذلك الحزن الشديد ، أخذت بالعودة لمنزلي سيراً على الأقدام وأنا
هائم لاأدري أين هي وجهتي وإلى أين أنا ذاهب … وجلست أطرق باب منزلي بينما مفتاح
الباب بداخل جيبي ، لقد نسيت كل شئ نسيت من أنا أصبحت أنظر وأتذكر نظرات تلك
الفتاة في كل مكان تلاحقني … وأيقنت بعدها أنها لم تكن نظرات خبث ولاشئ آخر بل
نظرات شفقة ورحمة علىّ ، فقد كانت تتمنى أن تبعدني هي عن طريق الشر … فقررت بعد
وفاتها أن أعتزل أهلي ، وفعلاً أعتزلت أهلي والناس جميعاً أكثر من سنة وسكنت
بعيداً عن ذلك الحي وتغيرت حالتي ، وصار خيالها دوماً أراه لم يتركني حتى في وحدتي
، أصبحت أراها وهي ذاهبة للمسجد وحينما تعود ، وحاول الكثير من أصدقائي أن يعرفوا
سبب بعدي عن المجتمع وعن رغبتي وأختياري للعيش وحيداً لكنني لم أخبرهم بالسبب … وكان
المصحف الذي أهدتني إياها لايزال معي ، فصرت أقبله وأبكي وقمت فوراً بالوضوء
والصلاة لكنني سقطت من طولي فكلما حاولت أن أقوم أسقط ، لأني لم أكن أصلي طوال
عمري ، فحاولت جاهداً فأعانني الله ونطقت بإسمه ، ودعيت وبكيت لله بأن يسامحني
وبأن يرحم تلك الفتاة رحمةً واسعة من عنده ، تلك الفتاة التي كانت دائماً ماتسعى
لإصلاحي … وكنت أنا أسعى لإفسادها ، لكن تمنيت لو انها لم تمت لأجل تراني على
الإستقامة ، لكن لا راد لقضاء الله ، وصرت دوماً أدعو لها وأسأل الله لها الرحمة
وأن يجمعني بها في مستقر رحمته وأن يحشرني معها ومع عباده الصالحين.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق